الأحد، 23 فبراير 2014

رصاصة الرحمه

طلقة واحده تبحث عن مُستحقها.. الناس كُثر، السيارات تزحف ببطء وسط هذا التكدس المرورى، باعة جائلين يصطفون على جوانب كل شارع، ونصف العاصمة داخل الأتوبيس الشعبى. لم يعد فى الهواء ذرة لمزيد من الغبار. من سعيد الحظ الذى سينال رصاصة الرحمة؟ المسدس بين يداى يرتجف.. رجفة الاختيار. إالى من تصوَب فى الدقائق المُقبلة؟.. هل من الواجب إخفاء السلاح عن الأنظار؟
ولماذا من الأصل؟ فأعباء الحياه أفقدتهم البصر والبصيرة!. أمازال القوم يخافون السلاح؟.. لا أعتقد ذلك.

لتبدأ الرحلة عن الفائز فى مسابقة جريمة اليوم.. ولماذا أدعوها بالجريمة؟ هل عند بتر الدكتور لساق قد أكلها المرض وقد تأكل ما بقى من جسد المريض هى جريمة؟.. بل جائزة تساعده على تخطى آواخر لحظات حياته دون المرور بأعباء وصعوبات تزيد من الطين كوم طين.

أمامى خيارات عدَة.. كل هؤلاء يتمنون الهلاك ولكن لا يجرأون البوح بذلك جهراً. لا يهمنى كم التعب والمشاكل التى ستتركها بعد قتلك، المهم عندى أننى سأستأصل حياه أحدهم بكل ما يحمله من ضيق، فالمعيار الآن هو " من يحمل هموماً أكبر؟ " .

النموذج الأول: رجل قصير فى الخمسينات من العمر، أصلع جزئياً، نظارته عملاقة، يرتدى ما أطلق عليه "الشرز" و وجهه طمسته التجاعيد، وبنطلون قد سقاه الترزى مُراً، ويحمل فى يده الجريدة اليومية. يقف الآن منتظراً -بين المئات- حافلة الركوب التى ستقله الى مكان آخر يشقى فيه بشكل ما. هل هو حزين بدرجة كافية؟ فالتجاعيد دفنت أى شعور على وجهه!.. هل تجمد الإحساس فى الوجه يعنى البؤس التام؟.. هل يستحق رصاصة الرحمة؟.. هل أندم بعد ذلك إذا وجدت آخر أشد بؤساً؟.

النموذج الثانى: بنت منتصف العشرينات، ترتدى بنطلون سكينى يُظهر فخديها بشكل فاضح وتيشرت يكشف جزئياً عن صدرها، فإذا لم يكن البنطلون والتيشرت ملوَنين، لإفتكرتها عارية تماماً. تستبدل وجهها الأصلى بوجه من الماكياج، تغتصب اللبانة فى فمها، تضع يديها أمامها ممسكة بشنطة بسيطة نوعاً ما، وجهها يبدو عليه الحزن والتعب والملل وقلة النوم، والأكثر والذى يبدو واضحا هو الخوف. تبتعد بنظرها من آن لآخر إلى رجل يراقبها كى لا تفر من عملها كمومس. شعور الإستعباد وقلة الحيلة قد لمس كل طرف فى جسدها، أفقدها إنسانيتها قبل عذريتها، فهل تستحق القتل والرحمه؟ أم أننى قد أحتاجها فى سهرة ليلة وقت ما؟.

النموذج الثالث: إمرأة موظفة، نعم بالتأكيد هى موظفة حكومية، اذ هى كذلك بلا شك، وجهها رجولى كالصخر، تحمل نهوداً متدلية عملاقة، بدينة بعض الشىء، ترتدى عباءة زيتية اللون، فهو اللون المُفضل للموظفين، تتأبط حقيبة سوداء اللون فى كتفها الأيسر، والبُك فى يدها اليمنى، يحملها صندل مرتفع بضعة سنتيمترات عن الأرض قد هتك الزمن عرضه، حسناً، لا جدال على أنها الهدف الأمثل لتصويب قذائف الهاون وإنهاء ما تكابده من عناء العيش، لكن مهلاً، مازلت أرى أُناس كُثر حولى يستحقون هذه الرصاصه، مازلت أطمع فى نماذج أكثر درامية.

النموذج الرابع: شحاذ فى الأربعينات، يرتدى جلبية تكشف عن ساقيه وتحمل من الأتربة سنوات، ذو لحية لا تقل قذارة عن وجهه وشعره، بجانبه إمرأة لا أعلم إذا كانت زوجته أم أخته أم ماذا، ترتدى عباءة ساترة نوعاً ما، وحجاب أسود يكشف القليل من شعرها، وتحمل على كتفها طفل لا يتجاوز السبع سنوات لكن يبدو من ربطة الشاش التى تُغطى رجليه أنه لن يقدر على الوقوف والمشى، و حافى القدمين مثل الرجل والمرأه، يبسطون أيديهم أمامهم طالبين القليل من المال كى يساعدوهم فى علاج الطفل و كى يساعدوهم على الإستمرار فى الحياه، يمشون فى الطريق بوجوه مطموسة من بئر الشقاء والعناء والتراب، ولكن من أشد بؤساً من الآخر؟.. الرجل أم المرأه أم الصغير؟.. هى رصاصة واحدة فقط ولست أنجلينا جولى فى فيلم "وانتد" كى أقتل الثلاثة برصاصة واحدة!.. ولما لا أبحث عن آخريين يملئهم البؤس أكثر؟.

النموذج الخامس: بائع جائل، شاب فى أوائل الثلاثينات، على ما يبدو أنه يبيع الأحذية والورنيش، ويبيع ما تبقى له من آمال وتفاؤل، له فرشة قاربت نصف عرض الشارع، لكن على أى حال، إذهبوا إلى الجحيم بشارعكم الذى ينقل السيارات الفارهة، هذا مكان أكل عيش مُلطخ بدماء الحرية والكرامة. يلتف حول فرشته عدد لا بأس به من "النموذج الثالث" يجادلن جدال كهنة فرعون حول السعر الذى هو -كما تعلم- نصب واحتيال وآخره -على حد قولهن- تلتاشر جنيه. ألا يعلمن أن ورائه أسرة جائعة و زوجة تقرف الكلب و حشيش غالى الثمن؟. إنها حقاً حياه لا مسوغ لإستمرارها، هل أنهيها بضغطة الزناد؟ هل سأصادف من هو أكثر سوئاً؟.

النموذج السادس: شاب فى أواخر العشرينات، يبدو من لهجته أنه من الريف، يقف بجوارى على بعد متر ونصف ويتكلم مع أحدهم على أنه تخرَج من كلية الهندسة وهو الرابع على الدفعة ولم يتم تعيينة ورفض مشروعه الذى عرضه على الدكتور قبل ذلك و وعده أن يساعده على إتمامه وعرضه على المسئولين، الى أن سرق هذا الدكتور مشروعه و أصبح وزيراً الآن فى الحكومة بسبب مشروعه وهو الآن يعمل سباك مع جاره فى البيوت ولا يستطيع الزواج وهو يبحث عن أى طريقة للهروب من هذه البلد.. هذا هو، سأريحه من كم الذل، فمستقبله قد ضاع، لماذا هو حى؟ لماذا ينتظر؟ على وجهه وحركاته الكثير من علامات الانتقام والذى لا يستطيع عملها، كأنه فى بئر عميق لن يستطيع الخروج منه الا انتظار موته.. أهو الذى يستحقها؟ أم توجد دراما أكثر تعاسة؟.

مهلاً، وجدتها، نعم هو الذى يستحق الرصاصة صاحب النموذج الأول.

"صوت عيار نارى، مشهد دماء تخرج من الجهة الأخرى للرأس، سقوط هادىء على الأرض، مع إنبساط الذراعين على الجانبين وإلتفاف عشرات من يحملون كاميرا هواتفهم للتصوير وسط إستغاثات النساء، لأنه قد مات صاحب هذا المقال" .

المجد للشهداء
العبد الفقير الى الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق