الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

حارة الزعابلة !

المكان :



الشوارع مُمتلأة هذه المرة، الأحذية لم تترك مساحةً لتنفس الأرصفة، و أشعة الشمس دخان سيجار زفرتة الشمس عن طيب خاطر فى كوكب الأرض !.. تبدو المدينة منهكة هذه المرة !.. و النهار قد رسم ملامح هذا الحارة العريقة.. يتعددها مُنحنيات لحوارى أصغر جانبية، نهايتها يقطنها ميدان بلا أشجار !. اذا نظرت لهذه الحارة المُتشعبة من الأعلى ستتخيلها كما تخيلتها دائماً.. كابورياية !.

حارة الزعابلة :

خطان متوازيان تتمثل لمنازل صغيرة عشوائية، تُميزها حجم " البوكسرات و الكولوتات" المختلفة اللون و الحجم على منشر الغسيل !.. والنساء المُتحاكيات فى "سفالة الأمور" يكسرون حاجز الروتين الذى يملأهن كالزيت فى دمائهن !..  عربة الكبدة و السجق لعم "فوزى" تأخذ إحتراماً خاصاً لما يقدمه من ساندوتش بجنيه و ربع، و بجنيه لكل من يجلب كلب خارج الحارة لذبحه و حشية فى ساندوتشات على بضعة أيام !.. و على عرش هذه الحارة " قهوة المعلم عطية " ..قهوة "عطعوطى" كما تردده زوجتة "حسنات" وسط الأحاديث، أو المعلم عطية هى إله آله الروتين، حفرة وُضعت فى المنتصف تشتم الكسل و الملل لتغرقك فى النهاية بأموالك !.. جوار القهوة تتراص دكاكين ُتضفى على الحارة شيئاً من الروح و ضروب العلاقات الإنسانية، من دكان حسن العجلاتى، لسمير الحلاق، و بقالة رجب البقال.. كما تشهد الساحة فى منتصف الحارة بضعة أطفال يلهون و يتحرشون بالمارة، و عند أبواب المنازل تفترش بجانبها بائعى الخضراوات و الفاكهة.. و الأغانى الشعبية النشيد الوطنى لهذه الحارة، التكاتك الكائن الهُلامى اللزج الذى يتحرك وسط كائنات أخرى يشبهونهم، و يدّعون أنهم من فصيلة "حواء" !. الإستحمام لغة لم يتقنونها بعد، أسطح البيوت مزرعة صغيرة لتربية الدواجن، و سكناً لقُبلات الغارمين. و يوجد المسجد الصغير فى آخر الحارة مكاناً دافئاً للمتخاصمين أو المطرودين منه عن الصلاه. 

السبت، 22 نوفمبر 2014

كل شيء يبدو على ما يرام !



أنا الآن أجلس في شرفة منزل
أتناول قهوة الصباح التقليدية
الجو بارد
المكان هادىْ للجنون
أنظر للسماء
كل شيء يبدو على ما يرام

السحب تتجمع ببطء في كتلة واحدة لترسم وجهاً عابساً دامٍ الفم أحمر العينين.. يبدأ الفنجان بالاختلاج..
الأرض تهتز كما لو أن الشرفة ستنزع من جسد البناية.. تُنتزع الشرفة.. لكنها تطفو في الهواء على بعد أمتار من المسكن المنهار، وكأنها تتيح لي فرصة مشاهدة منزلي أنقاضاً سرعان ما تتبخر على هيئة سرب عملاق من فراشات صفراء تندفع نحو السماء..
كل شيء يبدو على ما يرام.

تهبط الشرفة بسلام على أسفلت الذي تحول ملمسه لما يشبه المطاط.. مجرد أن تلمسه قدماك لتجد نفسك مقذوفاً بك إلى الأعلى أمتاراً.. الكلاب الضالة تنظر باندهاش.. القطط آخذه في التضخم لحجم الأُسود.. يرتفع أبى مربع من الأرض ليحملني طافياً كالبساط الطائر.. يبدو وكأنني علقت بإحدى آلات الزمن المعطلة، أم أن الكوكب تحت تأثير المخدر؟.. ينطلق بى البساط في طريق طالما عرفته، لكنه الآن ليس كما عاهدته دوماً.. الدكاكين يبرز منها أشخاص ذوى قرون يبيعون أشلاء بشرية مقابل مقابل أرجل الدجاجات.. يحوم في الهواء على بعد أمتار منى أطفال مجنّحون يلهون بالمارة.. على جانبي الطريق الرايات مخترقة الرصيف، و تنفجر الأحجار عن هياكل بشرية  تنفخ الأبواق في محفل مهيب.. و عجوز تجلس على حافة الطريق تبيع مناديل ملطخة بدماء الحرب.. الجميع يتحركون ويركضون و يتعانقون و يتبادلون التحيات بينما يغطون في نوم عميق..
كل شيء يبدو على ما يرام.

يلتف حولي أربعة مشعوذات يرتدين الأسود و تفوح منهن رائحة الرماد.. تخلو وجوهن من كافة الملامح.. يمسكن بى و يحكمن قيدي، ثم تفتح أحداهن فمي لتضع حبة منقوش عليها أحرف لاتينية، أبتلع الحبة لا إراديا كأنها تعرف طريقها لأحشائي.. تتبخر الراهبات غريبات الأطوار و هن يرددن : " عند الارتقاء.. يكمن الجنون.. عند الارتقاء يكمن الجنون ". أقف مذهولاً و شيء من الوخز يضرب لحم كتفي باطنياً..
كل شيء يبدو على ما يرام.

فجأة يتكسر عظام كتفي و يتمزق اللحم مُتمخضاً عن جناحان عظيمان ناصعا البياض يمتدان على جانباي تتساقط منهما ريشات تتحول لأرانب صغيرة زرقاء فور ملامسة الأرض.. الألم رهيب، لكن رهبة الطيران بجناحين  لأول مرة تطغى على المشاعر كافة..
كل شيء يبدو على ما يرام.

ومع أول تجاربي مع الطيران، ما إن نفضت الجناحان الهائلان حتى أصبحت أرتفع بسرعة غير معقولة في الهواء، مصطدماً بالأطفال المجنحين الذين يلهون بالمارة.. أتجاوزهم إلى طبقات أعلى.. أنظر خلف النوافذ.. أرى ناس سكارى يتساقطون من النوافذ كما يتساقط الريش من الجناح الطائر و يقعون فريسة سهلة في أيدي الأطفال المجنحين الجياع.. هذه النافذة تبدو ملجأ مناسب.. أقف الآن على حافة النافذة التي تجاوزت الطابق السبعمائة في مدينة لا تتجاوز منازلها الخمس طوابق.. كم من الصعب التنقل داخل شقة سكنية بجناحي عنقاء عملاقين.. إن فكرة الطيران تكون مناسبة في العراء فقط.. الآن أمام باب المطبخ، تقف هناك سيدة زنجية  ذات أربعة أذرع تطهو الطعام بسرعة جنونية لسد أفواه ما يفوق الخمسين طفلاً.. تستدير السيدة لتجد أن لها وجه كلب جيرمان شيراد، و فجأة و بدون إنذار ينطلق خلفي هذا المخلوق رباعي الأذرع نابحاً مطلقاً سيل من اللعاب على الأرض و تبدأ مطاردة مررنا فيها على غرفة تحتوى على العشرات من صغار هذا المخلوق وهم في ذروة الجوع.. لا أعرف كيف نجوت و لكنى وجدت نفسي أخيراً في غرفة غريبة نوعاً ما، قمت أولاً بإيصاد بابها العجيب لأجد أمامي بعض التجهيزات التي لا تصلح أن تكون ذات صلة بشقة سكنية.. فلدينا أجهزة قيادة القطار كاملة المعدات..
كل شيء يبدو على ما يرام.

الأمر يستحق الاستكشاف حقاً.. مازلت أعانى مشقة حمل جناحا العنقاء.. الآن نبدأ العبث بمفاتيح عشوائية، نضيء الأحمر، نغلق الأخضر، أنزل الكابس، أرفع الكابس.. تبدأ الأرض في الاهتزاز.. لحظة سكون.. العالم يتحرك حركة عجيبة و كأني آخذ في الهبوط.. أسرع للنظر من النوافذ المستديرة.. و بالفعل إن المبنى آخذ للهبوط، و ليس الانهيار.. إنما نغرس في الأرض و كأن أحد العمالقة يضغطه كالوتد على الأرض.. هذا الشيء الغريب ليس بناية فحسب، بل قطار، نعم بالفعل هو كذلك.. قطار يتحرك مخترقاً الأرض في رحلة أبدية.. و من الواضح أن حظي الغريب سيمنحني تجربة غجرية تستحق المشاهدة بجانب ما شاهدته.. فتتأهب الأرض فأنا أخترقها، و لينحى كل هيكل عظمى أشلائه بعيداً حتى يكون رقوده في سلام..
كل شيء يبدو على ما يرام.

يخترق القطار العظيم، و النوافذ تظهر الهواء الرفيع، السحاب الكثيف بأشكاله الملائكية، المباني الصغيرة، الأطفال المجنحون يلهون في أقرب طبقات الهواء ملامسةً للأرض، ثم يبدأ اختراق غرفتي في الأرض، هنا طبقة معتمة نتاج صنع الإنسان الحديث هي مادة تافهة طبعا، تليها طبقة الموتى، فالهياكل العظمية، فالهياكل العظمية المتحركة في حياة متكاملة تحت الأرض، متشبثين بحواف النافذة من الخارج ليراقبوا النور المنبعث من الداخل حنيناً لضوء الشمس، فيجرفهم التيار الصخري..
كل شيء يبدو على ما يرام.

حرارة الغرفة آخذه بالارتفاع.. الآن أبدأ التوغل في طبقات الحمم الداخلية.. الأمر ليس كما وصفوه لنا في الجيولوجيا الإنسانية على الإطلاق.. لا سائل برتقالي اللون.. لا فقاقيع منبعثة، إنما الأمر كله عبارة عن فراغ أسود قاتم لا شيء فيه.. فجأة يتوقف كل شيء.. تتوقف المركبة الغريبة.. يهدأ هدير المحركات.. تنطفئ الأنوار.. سيكون الأمر محرجاً لو علقت في طبقة من الهياكل العظمية المتحركة أو المذؤوبين.. أتلمس الطريق بحثاً عن النافذة.. يصدر فجأة من باطن الأرض وميض براق يُذهب الأبصار أغلقت له عيناي رغما.. أفتح عيناي..

أرى السماء و قد تكاثفت بها السحب على هيئة رجل عابس
الفنجان يختلج
القهوة مازالت ساخنة
المكان هادىْ للجنون
كل شيء يبدو على ما يرام

من الأفضل حفظ المخدرات بعيداً عن هذا الكوكب، و ليس عنى !.

المجد للشهداء
العبد الفقير إلى الله