الجمعة، 31 أكتوبر 2014

الكاميرا !



Written With Hans Zimmer -Tennessee.

المشهد الأول:

رجل يرتدى بيجامة منزلية، ساكن أمام مرآه مُعلقة على الحائط تُظهر نصفه الأعلى، و بعض من أجزاء الغرفة كالنافذة و الدولاب و السجادة النائمة على الأرض.. بعد ثوانى، يتجه يساراً ناحية الدولاب.

المشهد الثانى:

يضع سيارته فى حيز بجانب الرصيف، ليسير صاحبنا فى الشارع وسط الكثير من الناس غير مُكترث بالطريق، لا يعرف إتجاهه، يسير للأمام فقط مُرتدياً بنطلون جينز و قميص يعطيان مظهراً لا بأس به، و فى يده كاميرا ديجيتال يربت عليها جيداً. و يخطو..

المشهد الثالث:

يرفع الكاميرا على عينيه كى يسجل لحظات لأُناس يضعون بصماتهم فى كتابهم الأُخروى.. و مهمتة، تسجيل هذه اللحظة، و الأهم هذا الفرد.

-النموذج الأول: رجل يرتدى بذّة قيّمة، يخرج من سيارة موديل السنة تُعطى إيحاء أن للثراء فُحش حقيقةً.

-النموذج الثانى: شاب فى العشرينات ،واحداً من الأولتراس، يرتدى فانلة طُبعت عليها رقم ( 72 )، حاملاً حقيبة سوداء على ظهره، و يغرس الهيدفون فى أذنيه غير مُكترث.. إلا بقضيتة.

-النموذج الثالث: بنت فى أوائل العشرينات، مُنقبة  تقف عند بائع جائل يبيع الدبابيس المحفورة بكلمات تُعبّر عن شخصية حاملها، و قد أخذت دبوس يحمل " المجد للشهداء ".

-النموذج الرابع: إمرأة فى الأربعينات، تبدو كموظفات الحكومة، النهد المُتدلل، الخمار الزيتى، و قلباً يحمل جسداً على عاتقه.. تقف تتجادل جدال كهنة فرعون مع البائعين الجائلين على ثمن البضائع الصغيرة، و من ثمّ تبتعد مُنتظرة حافلة الشركة التى تمتلأ بالموظفين كما يملأ الصفار البيض !.

-النموذج الخامس: شاب فى الثلاثينات، زرع فى وجهة لحية ثقيلة نوعاً ما، يتمم على إغلاق أول زرار فى القميص بيد، و اليد الأخرى تحمل كُتب الجامعة.. يبتسم إبتسامة يدفنها فى الأرض مع وجهه حارصاً على تواجد يديه بجانبه.

-النموذج السادس: بائع جائل يبيع الذرة المشوية، ملابسه لا تدل الا على أن ماكينة الخياطة قد أحيت شيئاً فيها، تداعبة نسمات الهواء، لتخفف عليه قليلاً و هو ينادى على الماريين ب"كوز درة يطرّى عليهم" فيُقبّل المال الذى يأويه ويدسه فى جيبه حامداً شاكراً.

-النموذج السابع: طفل فى الثامنة من عمره تقريباً، يرتدى زياً أُحكم تناسقة الجمالى، وشعره الذى ينافس شعر فتيات المُراهقة فى النعومة "الطبيعية".. تُحكم سيدة بجواره غلق يديها جيداً عليه، وهو يتمسك بمحاولة الفرار، ليس من الحياة، ولكن من هذه اليد التى تضغط بالوتد على أول مسمار صنعته فى نعش "شخصيتة".

-النموذج الثامن: فتاة فى منتصف العشرينات، يخطف جمالها نظرات الرجال تلهفاً تَلهُّف أسماء على بضعه مياه تقطع بها نهر قد جف فى جوفها، و تخطف نظرات النساء غيرةً.. و الكعب العالى الذى يدق على أبواب مُغلقة فى أنفس الرجال حولها، آخذة فى السير تحمل حياتها خلف نظارتها الشمسية العريضة، و خطواتها تحمل خريطة مقصدها.

-النموذج التاسع: شاب فى بداية المراهقة، الموضة غسلته من "ساسة لرأسة".. حليق الجنبين ومن الخلف، تاركاً بعض من شعره فى المنتصف يعطى إنطباعا "ديكياً" نوعاً ما على مظهره.. بنطلون يغرق ولا أحد يُلبيه إستغاثةً، و يُشكّل تعرجات فخدية، و قميص أحكم إغلاق أزراره كلها من اليد و الصدر والرقبة، لا خوفاً من إنفلونزا، بل لتنفيذ أحكام قد وردت على لسان.. الموضة.

-النموذج العاشر: طفل، نعم طفل وإن بدا أكبر من مجرد طفل.. الطفولة هى الشىء الوحيد الذى يجب إتمامه، كى تستطيع أن تخطو باقى طريقك !.. ملابسة كحياتة، مُلطخة بالقاذورات و التراب الذى شيئاًُ فشيئاً يخلق من طريقة صحراء جرداء لا مُنجى فيها الا عزرائيل !.. يضع نفسه عُكازاً تتكأ عليه سيدة فى أواخر عُمرها لتعدية طريق أخذتة السيارات مجالاً للتسابق.. و الجائزة، جثة إنسان آخر !.

المشهد الرابع:

الكاميرا تُحذّر الرجل من نهاية مشوار بطارية قادتة لتسجيل صور و مشاهد عشوائية فى شوارع لم يعد فيها مكان لذرة تراب أخرى، و لا نفساً سوى غباء السيارات الذى يضيق بصدر المارة، و سيارات النقل العامة التى تشحن جثثاً إنقشعت حياتهم فى جسدهم بحثاً عن آخر الدرب.. فيغلق الكاميرا.

المشهد الخامس:

فى سيارته، يُخرج بعض من ورق المُلاحظات و قلم جاف، فى نفس الوقت الذى يتحرك بسيارته، يتذكر ما إلتقتهم صوراً أثناء سيره،  ويكتب على التابلوه و أحيانا على ساقيه و يرمى بالورق بجانبه فى ضحك، و كثيراً ما كان سيدهس ماراً فى طريقة، لكنه لا يبالى بغير إكتمال كتابتة للعشر ورقات !.

المشهد السادس:

ينتهى من كتابة العشر ورقات.. إنتباهه للطريق جاء مُتأخراً هذه المرة، ليجد نفسه غائباً عن الوعى بعدما دكّت سيارتة بعمود كهربائى فى جانب من الشارع، و الورق يتناثر بداخل السيارة، و كلمات تبدو أوضح عليه.. " حرامى.. بلطجى.. رجعيّة.. مُقززة.. ُمتعصب و متخلف.. سافل، كمثل باقى جيله القادم.. مومس.. لا يستحق الحياة.. مثل هؤلاء، أنصحه بعدم ترك البامبرز.. بائع مخدرات " .

المشهد السابع:

يفيق من غفوتة سريعاً، على السرير محاولاً اللحاق بضربات قلبه، و عن ما الذى حدث !.. يرفع الغطاء متوجهاً للمرآه لرؤيته أوراق تتطاير من بصيص هواء النافذة، و مكتوب علي كل ورقة الكلمات التى شاهدها فى حلمه !.. يجلب الكاميرا لتفرش هى الأجوبة على مائدة أسئلته.

المشهد الثامن:

شارع يحيط به العديد من الناس، تقترب الكاميرا من أحد الأفراد و هو يغلق سيارتة الثمينة و يُعدّل من ملابسه ليلتقى برجل يبيع الذرة يضع فى يده ظرف أبيض عريض يشعل سعادةً فى نفس الرجل صاحب الذرة.. تتحرك الكاميرا بعيداً، ثم تقف بحثاً عن صداقة تبتسم لها رغماً، رجل أخذت لحيته نصف وجهه، و شاب يرتدى تيشيرت الأهلى المطبوع برقم "72" يسيران بجانب بعضهما ضاحكين وقد أخرج الشاب من حقيبتة نفس الكتب التى يحملها الرجل ليحمسا بعضهما للمذاكرة للامتحان الذى سيواجههم بداخل الكلية.. تمر الكاميرا بمرحلة أخرى، بنت تحمل جسد keira knightley  تتحدث فى سعادة مع طفل ملأه التراب، تأخذه من يديه لمقصد أظنه حافلاً له من هذه السعادة و الفرحة التى نفضت عذاب أيام أو شهور من حاله.. تتوجه الكاميرا لناحية أخرى، سيدة تحاول قدميها حملها، و تُخرج الموبيل الخاص بها، ليبعث المُتصل فى روحها وقلقها الواضح قبل المكالمة، سعادةً تشق صخر عيناها لينفجر عن سيل من ماء عذب يُحيى آمالاً قد بُعثت من جديد !.. تغلق الموبيل لتقول لصاحباتها حولها فى سعادة غامرة : " على ابنى الكبير اتقبل فى الشركة الأجنبية دى  و هيبدأ الشغل بكرة و هرتاح فى آخر أيامى بقى !! والله لانتوا معزومين عندى الجمعه الجاية ان شاء الله و اللى مش هييجى هبعتله نصيبة برضو !!.. يا رب  لك الحمد و الشكر يا رب " ..وسط فرحة هذه السيدة، تُلقى الكاميرا بنفسها على منقبة تُغرس فى جانبها دبوس مكتوب عليه "المجد للشهداء" و تتحاور و تتناقش فى احترام متبادل و ثقافة سياسية أظنها محور حديثهم، مع شاب غطت جسده الموضة، بدلاً من تغطية تفكيره، جمعهم حوار سابق يجمع صديقتها و شاب تتحدث معه، و دخل حديثهما ضيفاً عليهما.. ينتقل الخط العريض الى آخر مساره  فى شريط الفيديو، سيدة تضع يديها على يد طفلها فى عصبية تمنعه من الحركة، ُدمية تتكلم بيد يديها، و هو.. مازال مُتمسكاً بالمحاولة فى رفض هذه اليد.

المجد للشهداء
العبد الفقير إلى الله



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق