السبت، 6 يوليو 2013

فى لحظات...



فى لحظات..

أيقظنى صوت لعب الأطفال فى الشارع و صريخ العربات الذى يدعى بالكلاكس، فقمت مبطئاً الى الحمّام كى أغسل وجهى و أسنانى، فقمت بغسل وجهى أولاً و بعدها غسل أسنانى بدون اهتمام وأنا أنظر الى المرآه التى تعكس صوره وجهى الذى يعلوه شعرى الكثيف، وذقنى التى سيطرت على جوانب وجهى، فتجاهلتهم واتجهت لأداء ركعتى الصبح و الضحى. بعدها اتجهت الى المطبخ كى أكسر حاجز الجوع ببعض الكيك بجانب كوب من النسكافيه، وبعد تحضير دام لمدة نصف ساعة، اتجهت لمكانى صباحاً، البلكونة. قمت بفتحها و استسلام نفسى للهواء المُلطخ بأشعة الشمس كى يكسر حاجز الظلام الذى ملأ صدرى. قمت بمسح التراب من على الكرسى و وضع كوب النسكافيه و الكيك على المنطدة، ثم استطردت واقعى بنظرة الى الشارع و الى السماء كى أشكو لها، ثم جلست.. وقبل أن أبدأ بالاجهاز على فطارى، أجهز علىّ خيالى بالانطلاق بعيداً عن حضورى الواقعى..

الآن أعيش فى بؤرة ذكرياتى التى لم ولن أنساها.. هى أشياء متنوعة، مختلفة، اذا تم تركيبها و وضعها بجانب بعض، فلن تفهم المغزى من ورائها.. بعض من كتب، كافيهات، مطاعم، زهور، كلمات تسبح فى الهواء، أشخاص أشعر بأنى أعرفهم جيداً، لكن لآ أرى ملامح، امرأة قلبى يقودنى اليها بدون علم عقلى أو جسدى، أرى نفسى فى حالات مختلفة، و أشياء أخرى.. من ثم تأتى هذه الأشياء المتناثرة واحدة تلو الأخرى أمامى كى تأخذنى الى أصل وجودها فى ذاكرتى، فرأيت..

رأيت لحظات متنوعة الأحاسيس بينى و بين حبيبتى.. ضحكاتنا وسط أصدقائنا على ما فات فى الماضى، حتى لو كان من يوم.. الضحكات التى نحاول كتمها فى نفسنا قدر المستطاع حتى لا يسمعنا أحد.. الابتسامات الدافئة التى تجعل من القلب عريساً فى ليلة زفافة.. الكلمات التى أضعها فى أذنيها خلسة للسخرية من كلام البعض وسط قاعدة الأهل، أو الأصحاب، والتى كانت تضعها فى مأزق مُحرج، وهى تضحك وسط الكلام بدون سبب(بالنسبة للآخريين).. النظرات المتابدلة التى لا يفهمها أحد غيرنا.. أول قُبلة، كانت خلسة وسريعة، و رد فعلها الذى استوعبته بعدها بقليل بقولها:" يا مجنون ".. تشابك أيدينا أثناء السير فى الشارع، و الذى يشعرها بالأمان.. حركتى المفاجئة فى ادخال شعرها داخل الحجاب، حتى ولو خصلة صغيرة.. اختيارى لها فى الطعام، الشراب، الملابس، البيرفيم، وكل الأذواق.. مشاركتنا فى حل المشاكل الخاصة بنا بالتفاهم، وحل مشاكل غيرنا، حتى أنها كانت تعترض ضغطى على نفسى لكن الذى كانت لا تفهمه انها هى مصدر قوتى، فبها وبحبها أواجه أى شىء.. سعادة الأطفال التى أراها عندنا آتى لها بهدية أو عندنا أفاجئها بشىء.. الدموع التى كانت ترسم لوحة من ذهب ُمتسلسل على وجهها.. جدالنا حول مناقشة كتاب قد قرءناه من قبل، و الاستسلام على رأيى فى النهاية.. مشاركتنا فى الألعاب المختلفة مثل الشطرنج، الكوتشينة، الدومينو، البلاى ستيشن الذى لا تفقه فيه شىء مما يؤدى الى اسقاطى ضحكاً على طفولتها فى اللعب.. نظرتى لها عندما أراها تسرح بعيداً، فألقى بملاك بجمال هدوئها.. سعادتنا عندما نرى أهلى وأهلها مُتحابين، فهى تلاقى الأرواح فى الغيب قبل أن نولد.. عطرها الذى يشعل كيانى، و عطرى الذى يشعرها بوجودى، فقد أخذت بيرفيم من عندى، كى تضعه عندها كى أكون بجانبها طوال الوقت.. تحضير ما تشتهى له نفسى من طعام عندما آتى لبيتهم.. خيالنا المشترك حول نظام فرحنا، وعلى أى أغنية سنرقص Slow، و اعتراضى على ظهورها بشعرها أو بفستان قصير فى الفرح، وعن أسامى أولادنا و بناتنا.. الغيرة الحارقة التى أجدها فى قلبى عندما أراها تتحدث مع رجل غيرى.. تساؤلنا عن كيف لم يستمر اختلاف بيننا أكثر من خمس دقائق!.. الالحاح علىّ دائماً بقص شعرى عندما يطول، بأن أكلمها كى أُطمئنها علىّ.. دقات قلبها، وهمساتها عندما طلبت منى بأن اقترب منها كى تقول فى اذنى كلمة " بحبك " .. صوتها الذى يُقطر أنهاراً من شهد، فهو الذى يكسر الروتين الذى أصبح واقعاً فى زماننا.. نظراتنا لحركة عقارب الساعة التى لو كانت ُتحرك الزمن لما تأخرت.. الموبيل الذى نقوم بشحنه ثلاثة مرات فى اليوم كى يقوى على محادثتنا الطويلة.. مكالمتها لى  عندما تستيقظ، وانتظارى لها.. رقصنا Slow و أنا أضع يدى على جانبيها، وهى تضع يديها على كتفى و تقابل الهمسات و الضحك وسط أغنية تلهب أحاسيسنا سوياً ونظراتنا لعيوننا التى تقوم بالحديث و التعبير عن سعادتنا التى لم نستطع ترجمتها فى كلام.. ابتسامتها التى أحاول ادخالها عليها وسط دموعها، فتكون كالشمس التى قضت على تجمع السحاب و نزول المطر.. شكوتى من كثرة كلامها و رغيها، لكن صوتها الدافىء كان يخفف عنى.. تبادل الزهور بيننا و جدالنا عن من الذى أفضل فى الذوق.. عن محاولة كل منا على كيفية ارضاء الآخر.. وعدها الذى لم ينقطع من على لسانها بأنها لن تتركنى أبداً، و وعدى لها بأننى لن أتركها الا بالموت !.

أخذ صدى الصوت يرن فى كلمة * موت * كثيرا مع تقلب الحال كثيرا فى المشهد الذى يعيش فيه.. الشوارع تنقلب.. الناس تختفى، مع صوت تجمع ناس و صرخات عديدة.. يحدث تركيب استثنائى لمشاهد أخذ ترابطها يزداد وضوحا كلما اقتربت و تشابكت ببعضها.. نعم، فقد شاهدت هذا المشهد من قبل.. أنا أعرفه جيدا.. لكن لا أتذكر ما هذا؟؟.. يتم تركيب الأشياء و الخيلاء تحيطه بما حدث فى هذا اليوم أو هذا المشهد المكتظ بأصوات العديد من الناس غير المفهومة!!.. فقط يزداد قلبى انقباضا كلما حاولت ذاكرتى كسر حاجز النسيان و الانفعال الذى أقتحم مخيلتى.. ها هو المشهد قد تم و كأنهم صفوف جيش يعرف كل جندى مكانه و بسرعه.. نعم ها هو، نعم اعرفه، نعم ا ا ا هو هو .. أخذت ضربات قلبه تلعب ضربات ترجيحية فى جسده، و العروق كحبل مشدود بشدة و هو أنا أشاهد..

أقف فى شرفتى أطل على حبيبتى و هى تنزل للشارع و ينتظرها حتى تركب التاكسى متوجهة الى منزلها، ولم أستطع النزول حينها لأنه قد أصابنى كسر فى رجلى اليمنى الذى لم يسعفنى من مساعدتى على توصيلها مثل كل مرة.. فجأة، أقتحمت نظراتى اليها، سيارة تسير بسرعه جنونية، و هى تنظر اليَ لتودعنى و قدميها تكملان السير، فهى تعرف الطريق و الشارع جيدا من كثرة ما ترددت عليه.. وقع الموت حقيقا عليَ بعد سماع صوت صراخ و فرامل لم يتوقف صوتها لمدة خمسة عشر دقيقة من سرعته الجنونية التى كان يسير بها.. صرخات الناس مستنجدة بالاسعاف.. و الناس متجمعة حول الحادث.. أصابنى الشلل عندما رأيت روحى المتمثلة فى قلب حبيبتى يبدأ بالكف عن الانقباض.. نعم جائنى هذا الاحساس، كأنه قلب واحد منقسم بيننا، يشعر كلانا به و مستمر فى حياتنا.. تركلها سيارة كآلة زراعية تزيل أجمل ما خلق الله من زهرة كانت تزين حياتى.. خرجت من شللى المؤقت بعدما ضغط أخي على كتفي و ربط بجأشى قليلا ليساعدنى على النزول و عينيا مازلتا لم تصدق ما شاهدته، كأنه فيلم تصويررى ليس أكثر، و سألقى بها عند نزولى وأنها خدعة من التى تكررها، ولكن لم تفعل مثل هذه السخافة من الخدع أبدا!! ربما تريد اقناعى أكثر بعدما لم أصدق أى خدعة منها من قبل؟؟!!.. ولما لا؟!.. فهى مجنونة بعض الشىء مثلى.. وصلت لموقع الحادث وقد غطت الجثة بالجرائد.. مشهد انفطرت فيه بالدموع كطفل صغير فقد أمه.. وهى بالفعل كانت مثل حبى لأمى.. لم أتخيل أبدا أن تتركنى وحيدا مثلما فعل أبي وأمى.. المواساه والتعازى و التخفيف عنى من قبل اخيه ومن الآخرين لم يقوموا بتهدئتى، بل أزداد حرقة و دموعا و قد احمر وجهى و فقدت نفسى فجأة بدون دراية و سقطت أرضا و مشاهد تلاحقنى معها أراها بعين كاميرا ضعيفة، حتى سقطت.

انتهى الغبار و التركيبات المتناسقة للمشهد الذى ضرب عنق حياتى، حتى أعيش كجسد بلا روح.. بلا حب.. فقط القليل من الايمان و الصلاه يساعدانى على البقاء و الثبات.. فالصبر من عند الله.

المجد للشهداء
العبد الفقير الى الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق