الثلاثاء، 9 يوليو 2013

رمضان كريم



رمضان كريم

كما تعوّد الانسان المصرى على "الزنقة" و أنه لن يُحركه جبل الا اذا عَلم بقرب النهاية!. فيبدأ رمضان فى يومه المُتمم، حيث يتنازع الناس على شراء حاجتهم، والتى لا تمس رمضان فى شىء، لكنها تمُس  بطونهم !.. فلم يقُل لك رمضان بأن تشترى خمستاشر كيلو تمر و الكثير من الكيلوات التى تكسر رقبة ربّ المنزل.. بل طالبك بأن تُغذى روحك كى تكسر الحائط الخرسانى الذى بَعد رؤيتك للحق.. ولله.

نصف رمضان الأول : أستيقظ على الساعة العاشرة، فأنظر الى الساعه ألعن نفسى على أنها أسترخت قليلاً ولا تريد النوم.. فيصيبنى كم من الصداع، العطش، و الجوع مما يجعلنى انساناً جافاً لا يريد الحديث الى أحد كى يحافظ على توازن صداعه، و لا يريد أى مياه أمامه و لآ أن يشتم أى رائحة طعام.. فقط أنظر الى الساعه التى منها أشعر أنه لو سابق عقاربها كهل فى المائه من عُمره لسبقها بفضيحة.. و الذى يقول لك بأنه لا يشعر بالجوع أو العطش وأنه مرتاح هكذا، فهو "مهجصاتى" بالتأكيد، لأنه لو لم يكُن الصيام مُتعب على الانسان لما كافئة الله.. أتنقل بين القنوات باحثاً عن شىء يُغطى فراغى، فأنا لم أحفظ بعد مواعيد المُسلسلات التى سيتم عرضها على القنوات، و يقوم الريموت كنترول بالتحكم فىّ بعدما ظننت أنى المُتحكم.. حتى يأتى العصر، اقوم بالصلاه، و الذهاب لقرآءه جزء من القرآن.. بعد أن يعمل العدو الثلاثى الذى يجتاح نفسى، أدخل مُستكشفاً المطبخ وعلى أى فطار سيقضى على الأعداء.. عندما يُرفع الأذان فى التلفزيون، أنتظر المؤذن، واذا تأخر دقيقة.. أدعو له.

أُصلى العشاء فى منزلى، ثم أنزل من بيتى على صلاه التراويح.. لا أرى أماكن داخل المسجد، فأقوم بالصلاه فى الخارج وسط الهواء البارد الرائع.. أسعد كثيراً بهذه الروح التى تملأ المسجد و خارجه.. على أشخاص تعوّدت على رؤيتهم فى الصلاه، وأصبحوا أصدقاء فيما بعد.. أحياناً أُصلى حتى آخر ثلاثة ركعات، وأحياناً، أُصليها وحدى.. الأهم هو ألا أذهب للبيت بدون اكمال صلاه التراويح كاملةً.  

نصف رمضان الثانى : كأنى نزلت البحر أول مرة، أشعر بلسعة برد فى مياهه، لكن بعد الغوص بجسدى كله فى المياه، و الاستمرار لفترة زمنية، أشعر بأن المياه قد دفئت، و أزالت لسعه البرد.. هذا نفس شعورى فى مرحلة انتقالى من نصف رمضان الأول الى نصف رمضان الثانى.. فأصبح الصيام غير مُتعب الا بقليل لا يُذكر، فقد حددت الوقت الذى يُشغلنى حتى الفطار.. الاستيقاظ الساعه العاشرة.. فتح التلفزيون لأقوم بالسيطرة هذه المرة على الريموت كنترول بتحديد أى المُسلسلات سأختار، حتى تأتى الساعه الثانية.. هنا يأتى ميعاد قرائتى لكتاب ما، حتى الساعه الرابعه.. ثم يأتى ميعاد قرائتى لجزء من القرآن، حتى الساعه الخامسة.. يبدأ تحضيرى للعصائر، سواء بتحضيرها فى البيت، أو أستعين ببائع التمر الهندى كى يسد عملى البيتى.. بعدها أُروّح قليلاً عن نفسى ببعض البرامج الدينية لمصطى حسنى، مُعز مسعود، و الشيخ على الجفرى، عمرو خالد حتى ينتهى ببداية رفع الأذان.

صلاتى لا جديد فيها عن نصف رمضان الأول، غير أننى أُصلى التراويح كاملة مع شيخ المسجد ولا أُصلى ركعة واحده وحدى.. و صلاه قيام الليل، سواء فى المسجد، أو البيت.

آخر رمضان : هذه الايام الأخيرة التى بقدر ما فيها ليلة خير من ألف شهر، بقدر ما نشعر بانتزاع شىء من روحنا بالتدريج، بعدما تعوّدنا على هذه الروح، الصيام الطيّب الذى يمنع الطعام والشراب عنا، لكن يعوضه الخير للصحه وللنفس.. الصلاه، غذاء روحنا التى لن يعوّض جمال لذتها فى نفوسنا بعد شهر رمضان، و هذا الاحساس بأنك وسط قطعة من الروح التى تلقاها عند الكعبة.. تحلّ علينا دموعنا لتى تتساقط على انتهاء شهر نتمنى لو لحقناه السنة القادمة.. فبقدر سرعه انتهائه، بقدر بُطء قدومه.. يعوّض الله حُزننا على فقدان شهرنا الكريم، بحلول عيد الفطر.. فما أجملك يا الله.

أتعجب كثيراً من قوة هذه الروح التى يفوح بها رمضان، والتى تُسيطر على الشعب المصرى، مُسلماً كان أو مسيحياً !.. الابتسامة فى الوجه.. تهنئة الأهالى بعضهم البعض، وكذلك الأصدقاء.. ازالة الغُمة فى النفوس.. شعورك بأن الجميع مثل بعضهم، يصومون فى نفس الوقت، ويفطرون فى نفس الوقت!.. احساسك بأن الأرض مُوحده جميع المسلمين(يوم نحلم به ضد الصهاينة).. السماح و العفو بين الناس وعدم الشِجار وكف الأذى اذا غضب، لأنه فى شهر العفو و المغفرة.. حتى المشاركة بالآراء عن موضوع مُسلسل، أو برنامج سياسى أو دينى، فالتلفزيون لا يُلهى، لكن اختيارك و جعله الآمر الناهى فى حياتك هو الذى يُلهى حياتك.. نزولك بطبق يحمل جزء من فطارك و زجاجة تحمل بعض من عصيرك أو شرابك لرجل فقير فى الشارع، بواب عمارتك، أو الرجل الذى يعمل حتى فى وقت الصيام تحت بيتك، فابحث عن الخير فى هذا الشهر.. اذا قُمت بكل الذى فات، ستفهم جيدا سر قولك لهذه الكلمتان.. رمضان كريم.

المجد للشهداء
العبد الفقير الى الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق