الخميس، 26 فبراير 2015

رحلتى فى المسجد !

أستعد الآن للنزول.. وما أحلى الخروج باصطحاب هدف، وهدفى اليوم هو المسجد!. سأترك المنزل لا لـ"تغيير عتبة" أو صحبة الأصدقاء على ناصية الشارع هروباً من تعنت الوالد على عدم تعدّى نفس العتبة! أو القانون الدراسى فى الامتحانات الذى يُحتّم ممارسة بعض الصلوات فى المسجد و الاعتكاف اذا لزم الأمر، ولكن كما تعلم "الوقت أضيق من الهوت شورت" ! والدعوات رجاءً من الله غزو الكائنات الفضائية لكوكب الأرض و تأجيل الإمتحانات لأجل غير مُسمى. ولكن هدفى اليوم، هو الكشف عن هوية المُصلين.

أثناء نزولى دار حديث بينى وبين والدى، ليقول..
-رايح فين؟.. قالها وهو يتابع النشرة الاخبارية.
-رايح أصلى فى المسجد.
ترك متابعة النشرة، وخصوصاً فى النشرة الرياضية، ولا يترك الرياضة الا وكان الأمر عظيم، ثم نظر لى نظرة ثاقبة توحى بأننى على وشك تسليم نفسى للقاعدة، وأنا أنظر اليه منتظراً قوله، فضحك، ضحك حتى احمر وجهه، ثم قال..
-تعرف ان انا وامك كنا برضو بنضحك على ابهاتنا و نقولهم اننا رايحين درس لمولانا الشيخ فى المسجد، وكنا بنتقابل من وراهم ونروح نضرب حلابسة ؟!.. آآآهخ كنت صايع زمان ! فامتصعش عليا !.
-بهدوء، تركت المفاتيح من يدى، و قلت له: لا يا بابا حضرتك فهمت غلط، انا نازل فعلاً أصلى فى المسجد عشان أنا محتاج أصلى فى المسجد !.
-نظر لى نفس النظرة الثاقبة مع الحركة الجاسوسية البحتة، كلمس الذقن بيديك احتكاكاً ورفع الحاجب الأيسر، عسى تنيره الحركة فيما لا يعلمه، ثم قال بهدوء: متصعش عليا قلتلك، يعنى هترجع هنا بعد الصلاة؟؟
-أيوه يا حج والله، هتلاقينى هنا بعد الصلاة ما تخلص.
-تمام، ولو صعت عليا، هشيل البلايستاشن من هنا ! انت عارف ان ابوك ممكن يتقلب فى فلوس.. فى الكلسون، لكن محدش يصيع عليه !.
-ماشى يا بابا.. بعد اذنك بقى عشان ألحق السنة.. سلام.

خرجت من البيت، وهو ينظر لى النظرة الثاقبة متأثراً بمسلسل "بريكنج باد" حاملاً أن أعود بعد الإنتهاء من الصلاة.. المسجد يسكن الناصية الثانية من الشارع، توجهت اليه وأنا أنظر لأصحاب المحلات الذين ينتظرون أذان الاقامة، هناك عم أحمد صاحب السوبر ماركت الذى يتابع التلفاز فى حماس شديد يساعده كيس شيبسى طماطم على الاستمتاع، بجانبه الأستاذ فخرى صاحب أدوات السباكة يسبح بحمد الله فى المحل، و آخرون يقبعون بداخل محلاتهم لا يفقهون أن هذه الدقائق لن تجعل محلاتهم شركة مايكروسوفت !. تقدمت لنزع حذائى وقد تكوّمت عدة أحذية وشباشب عند الباب، وآخرون يحرصون على دسها فى مكان آمن بعيد عن امكانية "حرامى الجزم" سرقتها. تكوّمت آخر صف لأشاهد كل ما يحدث، قطع ذهنى رجل يُبعد جميع الأحذية كى يضع حذائه الملىء بالطين فوق حذائى، فذهبت اليه، وقلت..
-بعد اذن حضرتك، ممكن تحط الجزمة بتاعة حضرتك فى مكان تانى، بس عشان جزمتى و الطين وكده.
-نظر لى نظرة اشمئزاز، ثم قال: هو انت اللى هتعلمنى النضافة !؟
-تمالكت أعصابى، وأظن أن رجلاً متزوجاً فى أوائل الثلاثينات ، يحتاج أنفه وشفتيه فى بعض المواقف، فقلت: لا العفو حضرتك، بس بعد إذنك عشان فيه أماكن تانية فاضية ممكن نحط فيها الجزم غير فوق جزمتى.
لم يرد علىّ، فقط نظر لى وتمتم بكلام أظنه شتائم، لكن لم أسمعه، المهم أنه فعل ما كنت أريد. مكثت حيث كنت، وأثناء رجوعى، أخذ يتهامس بعض كبار السن الجالسين على الكراسى البلاستيكية فى الأحاديث السياسية، وهم يحللون المؤامرة الماسونية فى سوريا، وتأثيرها على انخفاض بيع اللب السورى، وكيف أن ارتفاع سعر البنزين سوف يُخلصنا من مشكلة بزر البطيخ !. كى يؤذن الموذن للصلاة.

قبل الانتهاء من رفع الأذان، استعد المصلون للصلاة واكمال الصفوف الأمامية، وأنا أنتظر فى الوراء، مهمتى هى لقف الملاحظات وتعيينها اليوم، سامحنى يا الله!. يبدأ الامام فى النظر للصف الأول، ليطلب اغلاق الموبيل، وأيضاً "إستقيموا يرحمكم الله". كأن هذه الجملة صافرة حكم لبداية مباراة لكرة القدم، والإصبع الصغير هو الكرة !. يلتفت المصلون يميناً ويساراً وهم يلوّحون للمتأخر أن يسرع فى خطواته ويجذبون آخر من بنطاله أو جلبابه حتى يكتمل الصف، ثم يُغرس اصبعه الأصغر فى مثله للذى بجانبه، حتى أنه يتوتر عندما لا يشعر بصباعه الصغير، فلا يهدأ حتى يلصق اصبعه فى اصبع صديقه المُصلى !. ثم نادانى أحدهم، ليقول :" مش هتصلى يابنى؟؟ انت قاعد عندك بتعمل ايه؟؟"
-وقفت وجعلت من نفسى رجلاً يستعد للوضوء، فقلت :" المحشى بقى يا حج مش بيسيب الواحد فى حاله " !. قبل أن يُكبّر الإمام، نظر لى الرجل نظرة ثاقبة ! هل يعرف أبى؟!.

توجهت للحمامات، لا للوضوء، ولكن لتفعيل بعض المياه كى لا يقلق هذا الرجل على جزمته !. ثم دخل أحدهم، رجل فى الأربعينات،  ليترك جميع الأحواض السبعة كى يكون بجانبى !.. توضأت رغماً، وأثناء الوضوء، جاءه هاتف يحمل شعائر بصوت الشيخ الشعراوى، كى يرد ويقول: "ألو؟.. إزك آباشا؟؟.. آه والله فى نعمة الحمد لله.. هو عبمنعم مجاش الشقة؟؟.. طب تمام، هخلص أنا صلاه وأجيلك على طوول باشا.. ماشى يا باشا سلام سلام مع الف سلامة". أغلق الهاتف كى يصب الحديث لى..
-والله يا باشا من غير مقاطعة للوضوء يعنى، الناس مبقاش عندها صبر ! و لا حتى العيال بقى عندها ضمير ! الولا الصبى أبعته "يقذف المياه من فمه" عشان يشوف الكهربا بتاعة شقة جديدة، ويقولى رحت وملقتش الراجل، والراجل متسكع هناك من الصبح ! طب أعمل ايه أنا يا ريس؟! قلت أروح أنا هقضى المصلحة وأريّح الزبون وبعدها أشوف حكاية الولا ده ! ولا انت مش معايا؟!
-كنت قد فرغت من الوضوء وهو على وشك الانتهاء، فوضعت جملة تقف أمام مجرى مائى من الحديث الذى لن ينتهى الا بشنق الصغير، أو سباب الرجل صاحب الشقة، فقلت: ربنا معاك يا باشا.
-رد سريعاً وقام يجلب محفظته من خلفه كى يعرض علىّ الكارنيه الخاص به، ويقول: الله يكرمك يا باشا، وده الكارت بتاعى لو احتجتنى انا تحت امرك.
-ماشى يا "قرأت الاسم" اسطى حسن، بس نلحق الصلاه الأول.

اتخذت مكانى فى الصف الخلفى، و الرجل دون ترتيب ملابسه، يقف فى الصف يتساقط منه بعض قطرات المياه. يظهر صوتان مختلفى الوضوح، الصوت الأول هو صوت من يدعُ أثناء السجود ! يدعو كأنه يُغرق رأسه فى برميل من الماء ثم تقذفه خارجاً، يأخذ نفساً ويدعو ! حتى أنه ليكون مستفزاً وأنا فى الصف الخلفى !. و الصوت الآخر هو صوت نغمات الموبيل، كى يصبح المسجد بديلاً شرعياً عن الميكروباصات فى معرفة النغمات الجديدة. ثم انتهت الصلاه.

أخذ يقوم البعض بأداء السُنة، وآخر يحاول رسم خريطة المسجد بعينية بحثاً عن الثغرة التى يهرول منها للخروج !.. و الشخص الذى يستحق تصويب قذائف الهاون عليه، هو من يقوم ياغلاق الصف كاملاً بحيث لا يترك أى مساحة لمرور من أمامه عند الافراغ من الصلاه، بل هو مُتأخر أيضاً !. أذهب لجلب حذائى استعداداً للخروج، وللشحاذين القابعين على باب المسجد. أُعطى أحدهم جنيهاً، ثم أذهب للبيت، ليقابلنى والدى وهو فى نفس موضعه يتابع تحليل أخبار العالم بعيون ثاقبة مصدر خبرتها من مسلسل رأفت الهجان، وكونان. وهو يكرر تعليقاً واحداً: " العيب فى السيستم يا بشر.. العيب فى الدنيا !! ".  فتذكرت أن العبارة الصحيحة والمقصود اعمالها هى: " استقيموا فى حياتكم يرحمكم الله " !.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق