الأربعاء، 19 مارس 2014

صداقة..

لم أفهم قط أن الصداقة لها أخلاق!.. فأنا أعتبرها دائما سلسلة مصالح، ما الذى يدعونى للتشبث بشخص لا رجاء منه ولا فائدة؟ ما الفائدة من بقرة جافه؟.. كانت صداقاتى مُعوَجة فى بادىء حياتى، الطفولة وحب اللعب والمُصاحبة، و تكوين شلَة المنحرفين الصغار، كنت أحب أصدقائى الصغار، أذهب للمدرسة لأصدقائى لا للتعليم، كم كنت أكره التعليم والأستاذ سيد صاحب الكرش الدائرى الغير مفهوم بالمره. فكانت حصته وسيلة للسخرية منه ومحاولة كتمان الضحك قبل أن ينفجر بينى وبين أصدقائى، كانت شلتنا تتميز أنها تفعل القليل، فتكسب الكثير. نُذاكر فى آخر الأيام ونبقى من الأوائل، من أضعف فرق كرة القدم فى المدرسة فى الصف الإبتدائى، ولكن لا يفوت علينا كأس إلا وكسبناه، فاليد الواحده من الضعف، بخمسة أيادى منفردة من القوة. كنت أعلم أن لا أحد يُحبنا سوى غيرنا، مننا فينا، وهذا التملل الذى نراه من الآخريين ليست سوى مصالح، فهم يعلمون أنهم إذا أنضموا لشلتنا، فسيشتهروا على شهرتنا وفى حماية قوتنا، ولسنا كزهره تخرج رحيقها لحشرة يا عزيزى، بل نأكلها. كنا نستخدمهم فقط ، ولكن لم يفلح أحد فى الوصول لهذا المنصب، حتى عندما تكوَنت شلة أخرى من الكارهين لنا، لم يستطعوا الحد منا، وكيف السبيل إذا لم تكونوا يد واحده؟. كنا نفعل كل شىء مع بعضنا، الأكل، الشرب، اللعب، التسخيف، الضرب، المذاكرة، الدروس، لم ينقصنا سوى أن نكون جيران فى نفس العماره.

وصلنا لثمانى سنوات من اول المرحلة الإبتدائية، ونحن كتف بكتف ويد بيد، إذا شاهدنا أحدهم، فلن يلقى بفارق كبير وبين مدرسة المشاغبين، سوى التفوق، لم يكن غرضنا من التفوق أن *نصبح* الأفضل على الكل، بل أن *يصبح* كل واحد مننا أفضل من الثانى، كنا ننافس بعضنا البعض، ولا نشهر بذلك، كما تكون هى ميزة لنا، فهى ضعف إذا أُستغلت فى الخطأ، ونحن قد سمعنا المثل الذ يقول : " لو وقعت البقرة، كترت سكاكينها". مرَت المرحلة الإعدادية على نفس منوال المرحلة الإبتدائية، غير أننا أدركنا أنه يوجد شىء آخر يدعى البنات.

أول معرفتنا عن المرأه -بغض النظر عن الأم والأقارب- كانت فى حصه الأستاذ عطيه فى بداية المرحلة الثانوية على أن جنس المرأه مختلف عن جنس الرجل . صادقت العديد منهم، كنت أحب الحديث معهن أكثر من أصدقائى، ولكن للتسلية وليس أكثر. ولكن وكما قال الله عز وجل حقاً وصدقاً : " إن كيدهن عظيم " . بدأت الطاولة التى وضعنا أرجلنا عليها، بالإنقلاب، بمساعده هؤلاء الفتيات، بدأت كل واحده منهن بوسواس يضرب الحديد وهو ساخن على نفوخ كل واحد فينا، و تضع فى نفسه أنه الأفضل وأن الباقى لا يستحقون أمثالك و أنه يغير منك علىَ و أنه تحدث معى قبل ذلك على الخروج معه وأنه يكرهك، إلخ إلخ إلخ.. تعلم جيداً أن القوة لها قوة مضادة مساوية لها فى المقدار، فنفس حماسة صداقتنا، تحولت لألد أعداء بفضل هؤلاء الفتيات.

أعشق هذه الأمخاخ التى تُفكر، بل تتهندس فى الشر، عمق غريب فى هذه الأمور، فالحيلة والخداع فى النفس، كالتصويب الدقيق على تفاحه معلقة فى شجرة بالسهام، أعشق الذكاء واللعبة الحلوة وإن كانت فى الشر. لم نتجمع بعدها إلا ودار عراك لفظى وجسدى بيننا، وقررنا ألا نقترب من بعضنا بدئاً من الآن، فغنى للشر و علمه لى وحياه والدك.

أحب وأحترم من يعمل الشر ويتقنه، أما الأغبياء هم الذين يعملون الشر دون ترتيب مسبق لخريطة جيده، فالشر من الممكن أن يُرغم الخير على أن يُطاطى له، ولكن أن يحترس من إنقلاب الطاولة. هذا الإحتراس لابد أن تهتم به أكثر من عمل الشر نفسه، فالدفاع خير وسيلة للهجوم، ولا تُقبل على الشر إلا إذا كنت مضطرا، فلو أصبح سهلاً، قتلتك سهلاً. فهو كاللعب بالنار، اذا لم تحترس منها، أحرقتك. التحكم فى القوى شىء عظيم، ومعرفه متى تستخدمها شىء أروع..

أصدقاء الجامعه لم أر فيهم شىء، مجموعة من الفراخ يبيضون فى مزرعة الدواجن التى نتعلم فيها، كانت حدود صدقاتى معهم لا تخرج عن حدود سور الجامعه، فأنا ضيق الصدر مع ثقيلى الدم، وإن حاول أحدهم التخفيف، يبيض أكثر. أما الفتيات فكان صدرى لا يتسع إلا لغيرهم. فى تعاملاتى معهم أكن لمن يدَعون أنهم أصدقائى كل الإحترام على تمثيلهم المحدود، أعلم أسباب صداقتهم لى وألاعبهم لها، كالذى يصادقنى كى أساعده على مكالمه صديقة لى أعجبته، و الذى يحتاج مساعدتى عن دكتور حازم لقرابته منى، و الذى يحتاج لصديق له شخصية قوية تسانده فى الجامعه، والذى يتملل كى أساعده فى المذاكرة، والذى يريد المُلخصات التى أفرزها من الكتاب، لماذا يعتقدون أنى نجيب محفوظ؟. لماذا كل هذا التملل والملحسه؟ يقولون أنه واجب الأصدقاء على بعضهم، فلماذا لا يفعل أحد شىء إلا إذا كان بمقابل؟ لابد أن تكون صادقاً مع نفسك، حتى تكون صديقاً، ولكن الآيه هنا العكس، فهم يدَعون أنهم أصدقاء دون أن يكونوا صادقين. الصداقة هى أن تفعل ما عليك قبل أن تطلب مقابل.

لم أهتم بهم مُتحججاً بأسباب خاصه، فمن السعاده أن تعيش و رأسك ليس فيها شىء سوى نفسك، نفسك وفقط، لن أعيش فى هذه الحياه لخدمه ناس أخرى، ستساعدنى نفسى فقط، لا أحد يحب مصلحتى سوى نفسى، هى الحصان الرابح فى نهاية الأمر أو الخاسر، فعلام أحتاج لأصدقاء؟ أسيكونوا الضهر والسند؟ من الممكن أن أساعد شخص ولا يكون صديقى، فعامل الدليفرى الذى أعشقه، لم يكن يوما صديقاً لى. لماذا لا تكون معاملات سطحية دون صداقة؟ وان سألتنى العكس، فسأتقبل غباءك وأقول لك الذى قلته مرة أخرى، صداقة دون مقابل هى الصداقة الحقيقية، ولكن لابد أن تبحث عن مثل هذه الصداقات فى الغابات الإستوائيه. وإذا سألتنى عن ما الداعى إذا كانت الصداقة خدمة بخدمة وغيرها؟ أعتقد أن حب النفس أقوى على الإنسان.

أُقلب آخر صفحات الكتاب..
 لم ألق بصداقة حقيقية إلا بين الحيوانات، فالكلب لن يطلب منى رطلاً من اللحم جرَاء ما أفترفته فى حقه من المشىء فى شوارع القاهره ضهراً، ولا القطه التى ستطلب منى خزان من اللبن ثمن حبسى لها فى الغرفه، لم أعترف إلا بغيرهم كوسيلة للصداقة، دون وجعاً للجمجمة أو صب المزيد من إضاعه الوقت على أشخاص لم تلدهم أمى ولم يكونوا فى عائلتى، و علاج مرضاهم السخيفة التى تحمل الكثير من الحقد والكراهيه والمصلحه، ثلاثى يعصفون ببرج إنارة مستقبلى، ولكن قد فهمت اللعبه فى بدايتها.

المجد للشهداء
العبد الفقير الى الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق